اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
الجواب الفائق في الرد على مبدل الحقائق
39127 مشاهدة
وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير، والجواب عن ذلك

فأما قوله: وحكموا بكفر من وصفه بأنه نور، وغاب عن هؤلاء الحمير بأن الله قد وصفه بالسراج المنير بصيغة المبالغة، بمعنى أن الله عز وجل يمد بواسطته كل من أراد هدايته بالأنوار والأسرار ... إلخ.


جوابه أن يقال: متى حكمنا بكفر من وصفه بأنه نور؟ أين نصوص علماء الدعوة في ذلك؟ هذا من الكذب الصريح والبهتان المبين، بل هم متبعون لما وصفه الله به من ذلك كما في قوله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ قال أبو جعفر بن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسير هذه الآية من سورة المائدة:
يعني بالنور محمدا -صلى الله عليه وسلم- الذي أنار الله به الحق، وأظهر به الإسلام، ومحق به الشرك، فهو نور لمن استنار به يبين الحق، ومن إنارته الحق تبيينه لليهود كثيرا مما كانوا يخفون من الكتاب .
لكن لا يلزم من هذا الوصف أن يُصرف له شيء من حق الله، فلا يدعى مع الله، ولا يعظم كتعظيم الله، ولا يوصف بشيء من خصائص الله، فقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله. ولما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله ندا؟ قل ما شاء الله وحده .
وقال: ولا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد ؛ وذلك لأن الواو تقتضي المساواة بين المشيئتين، مع أن مشيئة المخلوق لا تحصل إلا بعد مشيئة الله، كما قال تعالى: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ .
ثم إنه -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل الخلق وسيد ولد آدم ومع ذلك لما قال له وفد بني عامر: أنت سيدنا. قال: السيد الله، قالوا: وأفضلنا فضلا وأعظمنا طوْلا. قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله -وفي لفظ- عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله .
فهكذا كان يؤدب أمته، سيما ضعفاء الإيمان أو حدثاء الإسلام؛ مخافة أن يقعوا في الغلو الذي يحبط الأعمال، فنحن نعتقد أنه -صلى الله عليه وسلم- هو النور والسراج المنير وهو أفضل الرسل وخاتم الأنبياء وسيد الخلق، والشفيع المشفع يوم القيامة، وهو صاحب لواء الحمد، وله المقام المحمود والحوض المورود، ولكن حقه على أمته أن يؤمنوا، ويصدقوا بأنه مرسل من ربه، وأنه قد أنزل عليه الوحي وهو هذا القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وقد أمر الله تعالى بالإيمان به، ورتب عليه الثواب، قال الله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ .
فالإيمان به يقتضي تصديقه، واعتقاد رسالته وصحة ما جاء به عن ربه، وصدقه في كل ما بلغه عن الله تعالى، مما يستلزم طاعته والسير على نهجه واتباعه فيما جاء به، وما فعله على وجه التقرب والسنية، وقد علق الله على اتّباعه الاهتداء ومحبة الله وغفران الذنوب، حيث قال تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
وهذه هي آية المحنة، فإن أدعياء محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- كثير، فمن كان صادق المحبة فإنه يحرص على اتباع هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- ويطبق تعاليمه، ويتخذه أسوة وقدوة حسنة، ويحرص كل الحرص على امتثال كل ما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- من الإرشادات والتعاليم، فيمتثل الأوامر ويبعد عن النواهي والزواجر، ويقلده -عليه الصلاة والسلام- في أفعاله وسننه، غير مبال بمن خالفه من أهل زمانه، ويصبر على ما يوجه إليه من المقت واللوم والعذل والتنقص، والرمي بالتشدد والتزمت أو الغلو في الدين أو نحو ذلك.
كما يحصل من أغلب الناس مع القائمين بخصال الفطرة، والمتنزهين عن الشبهات من معاملات ربوية أو مشاهدة أفلام أو صور خليعة أو أغاني فاتنة، مع تصريح أولئك المستهترين بمحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتصديق برسالته، وكأنهم يعتقدون أن صدق محبته إنما يتمثل في الإطراء ومدحه بما لا يستحقه إلا الله وإشراكه مع ربه في الملك، أو إعمال المطي إلى قبره ثم الهتاف ورفع الصوت بدعائه وطلبه الحاجات التي لا يقدر عليها إلا الله.
وقد يتعلقون بحكايات مكذوبة أو أحاديث لا أصل لها، كقولهم إن الله قال له: (لولاك ما خلقت الكون، أو ما خلقت الأفلاك)، وكقولهم: إن الله قال لآدم: (لولا محمد ما خلقتك)، ونحوها من الأكاذيب التي بنوا عليها وصفه -صلى الله عليه وسلم- بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وكل ما في الكون وأنه يملك الدنيا والآخرة، فيعطي ويمنع ويسعد ويشقي ويهدي ويضل. وهم مع هذا يخالفون سنته الثابتة، كما في حلق اللحى وإطالة الشوارب، وشرب الخمر وإسبال اللباس، وتعظيم العصاة وموالاة الكفار، ونحو ذلك مما هو عين المحادّة والمخالفة لسنته صلى الله عليه وسلم,
وكل ذلك من تسويل الشيطان حيث دعاهم إلى الغلو فيه من بعض الجهات وإلى مخالفة سنته من جهات أخرى، فهذه إشارة إلى بعض أعمال هؤلاء الأقوام، الذين سمى ممثلهم علماء الإسلام وأهل التوحيد بالوهابية، وجعلهم بمنزلة الحمير وكأنه بهذا الوصف يشير إلى مثل اليهود الذي ذكره الله بقوله: كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا لكن هذا المثل ينطبق على هذا الكاتب وأضرابه الذين يقرءون القرآن، وتمر بهم أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيها النهي عن دعاء غير الله: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وكقوله: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ وقوله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ثم يخالفونها صريحا فهم أقرب إلى الشبه بالحمار الذي يحمل أسفارا والله المستعان.